الهوية المهنية الاجتماعية لفئة إطارات المؤسسات الاقتصادية العمومية
No Thumbnail Available
Date
2007
Authors
Journal Title
Journal ISSN
Volume Title
Publisher
Abstract
يتمثل موضوع هذا البحث في محاولة لتحديد خصائص الهوية المهنية والاجتماعية
لإطارات المؤسسات الاقتصادية العمومية في الجزائر. وتنبثق أهمية هذا الموضوع عن
الأهمية التي تكتسيها هذه الفئة، من حيث دورها ووظيفتها وموقعها. إن الإطارات يشكلون
إحدى أهم الظواهر الاجتماعية التي أفرزها التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته
المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وهم يتميزون بمستويات تعليمية وبمؤهلات تقنية عاليا،
وبقدرتهم على أداء مهام حساسة في المؤسسات الاقتصادية، نظرا لما اصبح للعلم وللقدرات
التنظيمية والتقنية من دور أساسي في عملية الإنتاج وتنظيم العمل في تلك التنظيمات.
وقد نالت هذه الفئة، من حيث أنها جزء من المجموعات الوسطى، اهتمام الكثير من
الباحثين الاجتماعيين، متسائلين عن عوامل نشأتها، وعن أدوارها ومواقعها، وعلاقاتها
بالفئات والقوى الاجتماعية الأخرى في المجتمع الإنساني المعاصر، وهو ما نطمح بدورنا
إلى القيام به بالنسبة لمجتمعنا في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة في تاريخه، بعد أن لاحظنا
قلة اهتمام بذلك، على الرغم مما أثاره بعض الباحثين من تساؤلات حولها في فترات
تاريخية سابقة.
وقد قمنا بتجسيد موضوع هذا البحث بواسطة التساؤل الرئيسي التالي : ما هي
خصائص هوية إطارات المؤسسات الاقتصادية العمومية في الجزائر، كفئة مهنية
واجتماعية، بكل أبعاد هذه الهوية ومكوناتها، في هذه المرحلة التاريخية التي تتميز بظروف
اجتماعية واقتصادية وسياسية خاصة وبتحولات وتحديات على صعد متعددة ؟
وقد انبثق عن هذا السؤال خمسة أسئلة فرعية، عبر كل واحد منها، عن بعد من أبعاد
ظاهرة الهوية وفقا لمعنى هذا المفهوم الذي تبنينها مبدئيا في بداية هذا البحث.
واعتمادا على منهج دراسة الحالة، ومن خلال تحقيق ميداني أجريناه على عينة
متكونة من 150 إطارا، بالنسبة للاستمارة، و 20 إطارا بالنسبة للمقابلة، يعملون بمجموعة
من المؤسسات الاقتصادية المتواجدة بمنطقة عنابة، بين سنتي 2001 و2004 ،فقد توصلنا
إلى النتائج التالية :
أولا : لقد تبين أن أغلبية الإطارات هم من الرجال، لاسيما في مستويات التأطير العليا،
ٍربعين وهم
وأكثر من ذلك، في القطاعات التقنية والإنتاجية. وأن أغلبيتهم تجاوزوا سن الأ
في أغلبيتهم متزوجون، بالنسبة للرجال، وينحدرون من أوساط إجتماعية متواضعة، ريفية
وحضرية، وأن أغلبيتهم، حسب التحقيق، من الجامعيين. وقد تكونوا بالجامعات المحلية،
وهم من مزدوجي اللغة، العربية والفرنسية، وإن كان العمل يتم باللغة الفرنسية وأن السلطة
والهيمنة تميل للذين يتقنون اللغة الفرنسية.
ثانيا : لقد توضح أيضا، أن أوضاع الإطارات الاقتصادية والاجتماعية جد متدهورة،
مقارنة بأوضاعهم في السبعينيات والثمانينيات. كما أنهم يعيشون تهميشا كبيرا، وقلقا شديدا
ناتج عن تخوفهم من فقدان منصب الشغل، كما حدث للكثير منهم، جراء "الإصلاحات
الهيكلية"، في ظل الأوضاع المتردية التي تعيشها أغلبية المؤسسات الاقتصادية العمومية.
ثالثا : لقد بين البحث أيضا، فيما يتعلق بتمثلات الإطارات الاجتماعية، أن الأبعاد
والهواجس المالية والاقتصادية هي التي تسيطر على تصورات الإطارات، فيما يرتبط
بتمثلاتهم لبعض القضايا : كالمؤسسة، والتسيير والنجاعة. وقد سجل ضعف الأبعاد
الإنسانية والاجتماعية، وهو فيما يبدو انعكاس للأوضاع الاقتصادية المتردية. كما أن
الإطارات مقتنعون بانقسام المجتمع إلى فئتين أساسيتين : "الأغنياء" غناء فاحشا من جهة،
و"الفقراء" فقرا مدقعا من جهة أخرى، دون مجموعات وسطى. وقد ذهبت أغلبيتهم في
تحديد مواقع الإطارات في "وسط" الهرم وفي "أسفله".
رابعا : لقد بين البحث كذلك وعي الإطارات بالدور الأساسي الذي يميزهم، إلا أنهم يأسفون
عن عدم قدرتهم على أداء ذلك الدور لما آلت إليه أوضاع المؤسسات، التي حالت دون
مشاركتهم الحقيقية في تحقيق النجاعة والفعالية وهو مصدر رئيسي في شعورهم بفقدان
الدور المنوط بهم ومن ثم الشعور بأزمة هوية.
خامسا : لقد توضح أيضا أن الإطارات يعيشون عزوفا وانعزالا. وعلى الرغم من اهتمامهم
بالحياة العامة، فإن مشاركتهم الفعلية في الأنشطة الاجتماعية، والنقابية، والسياسية لا تكاد
تذكر. وأن الانقسامات بين فئاتهم عميقة، خاصة بين الجامعيين وغير الجامعيين، وبين
الإطارات السامية والإطارات الوسطى. وفي المحصلة، فإن الحديث عن تواجد مجموعة
للإطارات، بحد أدنى من التجانس، والتنظيم، والوعي بالمصالح، إلخ حديث غير واقعي
تماما. بل إنهم يتميزون بالتشتت، والتشرذم وهشاشة الموقع. وقد يكون ذلك ناتج عن عدة
عوامل لعل أحدها، وربما أهمها، طبيعة التنظيم الاجتماعي القائم، واستراتيجيات القوى
المهيمنة في المجتمع، التي يبدو أنها لم تشجع على بروز هذه الفئة في شكل مجموعة، بحد
أدنى من الاستقلالية، والتنظيم والفعالية الاجتماعية، عكس ما كان عليه الأمر في
المجتمعات الصناعية الغربية.